رئيس التحرير
علاء الجمل

محمد الجارحي يكتب: ليبا.. اليهودي الطيب

عندما تراه بضفيرتيه الطويلتين ولحيته التي يختلط فيها الأسود بالأبيض وشاربه الضخم حتى أن  وجهه يكاد يختفي تحتهما وبدلته السوداء الطويلة التي تصل الى تحت ركبتيه مع الطاقية اليهودية المعروفة التي تخفي تحتها " الكيباه" "الطاقية اليهودية الصغيرة"
عندما تراه بهيئته هذه تعتقد أنه من الأشرار الذين نراهم في الأخبار  بشكل شبه يومي يسرقون الأرض ويعتدون على المقدسات ويقتلون في سبيل هيكلهم المزعوم ولا حرمة لديهم لطفل أو مسن أو سيدة..
لكن إن عرفته أكثر عن قرب ستتاكد أنه طيب ومسالم إلي أقصى درجة يعبد الله بطريقته..
يكاد أن يقضي اليوم كله في العبادة والصلاة وأتعجب من هؤلاء الناس الذين لا يفعلون شيئا غير العبادة ويلتزمون بأدق التعليمات الدينية 
اسمه "ليبا" من اليهود "اليديش" أصله من "المجر "من مدينة قريبة من "بودابست" لكنه ولد وعاش حياتها كلها في "نيويورك "في حي "وليامسبورج"
ربما تخطى الخمسين بقليل ولكن عندما تراه تعتقد أنه يقترب من السبعين..ملابسه السوداء الطويلة ولحيته تجعلان منه عجوزا قبل الآوان

له عشرة إخوة ستة رجال واربع سيدات أحد الرجال يعيش في لندن وآخر في فلسطين المحتلة بينما بعيش الباقون رجالا ونساء في حي "وليامسبورج"
لا تتعجب من عدد أسرته فهو نفسه له تسعة أبناء ولدين وسبع بنات
والدته قالت لي في يوم وكان ابن لها آخر غير "ليبا" يقف بجانبها
هل تصدق انه له ثمان بنات وأخيرا جاءه ولد!
تعجبت أنهم يبحثون عن إنجاب الذكور مثل الغالبية العظمى عندنا

هو أطيب إخوته وأكثرهم كرما في مجتمع معروف ببخله
لتعرف كم هو طيب ومسالم أحكي لك هذا الموقف الذي كنت شاهدا عليه
قبل أشهر جاء شاب "لاتيني" لينظف الحديقة الخلفية في الشركة
بعض الكراسي والأشياء القديمة وعدة كراتين من "البورسلين"
تفحصتها عندما وجدت مكتوبا عليه بالعربية
ظننت أنها صنعت في مصر وشعرت بالفخر وكدت أناديهم ليروا صنع بلادي 
رحت أقلب في "الكراتين" يمينا ويسارا  وخاب ظني عندما وجدتها صنعت في أسبانيا لكن كتب عليها بالعربية.
نعود لقصتنا جاء "اللاتيني" لينظف الحديقة في عمل لا يزيد عن نصف ساعة 
كانوا اتصلوا به واتفقوا معه على أن يحصل على خمسين دولارا
مقابل تنظيف الحديقة..
أخرج ليبا الخمسون دولارا..انتظر الأسباني بقية المال 
كان  "ليبا"متأكد أن الإتفاق خسمون دولارا فقط
هاج "اللاتيني" وماج وهو يرطن بإسبانيته
ويقول 450 دولار
إتفقت على 450 ليس خمسين
ببساطة أخرج “ليبا" دفتر شياكته من جيبه  وأشار للرجل هل تقبل شيكا؟
أشار برأسه نعم
مددت يدي أوقفته
هل ستعطيه 450 دولار لقاء عمل نصف ساعة ؟
وماذا تريدني  أن أفعل أقاتله؟
وقع الشيك وأعطاه له ببساطة!
في مرة أخرى قال لي سنتاخر قليلا في العمل وساطلب لك "أوبر" لتعود للمنزل
أشرت لا مشكلة
تاخرنا في العمل وعدت للمنزل متاخرا
في اليوم التالي تقابلنا
سألني متى عدت للمنزل؟
قرب الثانية صباحا
هل أخذت "أوبر"
لا لم افعل وجدت إنه سيكلف الكثير لذا عدت بالقطار
لقد وعدتك
كم تكلف سيارة "اوبر"
لا لن آخذ شيئا 
لقد عدت بالقطار

عند الاحتفال باعيادهم يحتفلون في العمل أيضا ويحضرون زجاجات النبيذ والشمانيا
وعصير العنب الخالي من الكحول 
والسلمون الذي لا تخلو منه مائدة احتفال
أذكر في احتفالات رأس السنة
وهم لا بحتفلون بأي أعياد لا تخصهم طبعا
أحضروا لنا هدايا
أخذت الحقيبة وتركتها جانبا 
وعندما تذكرت فتحتها
وجدت بها زجاجة نبيذ فاخرة في علبة مطرزة 
ومعها كاسين صغيرين 
أعدتها معتذرا لا أشرب الكحول
تعجبوا
هل المسلمون لا يشربون الكحول؟
لا لا يشربون أي نوع من الكحول
تعجبوا أكثر..

قبل يومين كنت داخلا للعمل وكان هو خارجا
كنت غاضبا
أوقفني
محمد كيف حال عائلتك؟
بخير الحمد لله
هل أحد من عائلتك يعيش في غزة
ليس بصفة شخصية
ولكن العرب كلهم عائلة واحدة
اسف لما يحدث هناك
هذا ليس إنساني أبدا
دعني اخبرك أمرا
"اليديش" ضد اسرائيل
لا ندعمها ولا نعطي تبرعات ونقف ضد القتل والسرقة بكل وضوح..
في هذا المجتمع لا أحد يدعم إسرائيل
شكرته وذهبت
ولم أستطع أخباره أن بعض العرب يدعمون إسرائيل أكثر بكثير من بعض اليهود!!