رئيس التحرير
علاء الجمل

شاهيناز عباس تكتب:

ولا تساوي شروى نقير

جراح القلب لا تلتئم بسهولة . تعلمت ذلك في سنوات الغربة التي مازلت أشعر بغصتها في قلبي ..قد لا تكون الغربة المقصودة هنا الإبتعاد عن الوطن .. بل قد تكون غربة أخري يداخلها بعض الغموض ...غربة من نوع آخر يصعب شرحها في عدة سطور...عفوا بل غربات من نوع آخر..

غربة الروح أم غربة الجسد....قد تتوازن الأمور بسهولة بينهما في عدة أحوال...

تفتح نافذة ذكرياتك البعيدة فتلمح بعض الأحداث التي قد تكون انتقصت من راحتك وسلامك النفسي ..تتواري الالام خلفها ..بعض الوقت ثم تعود لتلح عليك ..كم مرة أطلقت عليك سهام الخيبات وحاولت مداراتها ....غربة الخيبات....كم مرة أذعنت لها وتذكرت تفاصيلها المؤلمة وأفسدت عليك يومك ..ثم تحاملت علي نفسك وهزمتها بلا حول ولا قوة الا الله


الفقد غربة ...محنة صعبة ... وكأن أحد اركانك قد أهتزت وتخلخلت..قد لا  تشعر بهذه القيمة إلا بعد الفقد  ..خواء داخلي ومرارة ....ثم إستكانه بعدها لمشيئة الله وأقداره بإنا لله وإنا اليه راجعون

متي تبدأ باستجماع قواك شيئًا فشيئًا.... ستتفتح بصيرتك...ستصبح أقوى....... ثم ستكون مستعدًا لتواجه العالم أجمع ... جنب الله لا جنب الناس.. وإن تآمر عليك الجميع..   سيسكن ألم الفقد رويدا رويدا.. فماذا فقدَ من وجد الله ....قد لا تكون الأمور متوائمة في لحظاتٍ لاحقة.. لكنك حينها ستعلم كيف تتخطى حزنك، ثم ستكون على يقين أن الدنيا ليست جنةَ المؤمن حتى ينعم فيها بكامل الراحة.....فهناك ابتلاءٌ وصبرٌ متكرر.. وكل هذا سيمضي ..وسيبقي ...وبشر الصابرين..


"يقول ابن القيم: تجرَّع الصبر فإن قتلك قتلك شهيدا وإن أحياك أحياك عزيزا . مدارج السالكين

غربة من نوع آخر .....وهي خواء الجسد من الفكر والهوية وتشوش التفكير.... يمضى في الحياة متخبطًًا دون غاية ولا رسالة كضائعٍ في الحياة بصحراء من التيه.... تظل روحه دون ملاذ فتدوم عنده الحيره والحسرات.... فهو إن لم يتحلى بالقناعة والرضا لن يجد الطمأنينة والسكون ويظل ساخطا حتى يموت...أما المؤمن الزاهد في الدنيا فهو في في سعي دائب لإحقاق الحق أو دفع الباطل ..وفي لسانه الرطب دوما من ذكر لله دفعا سلسلا لغربة الروح و والتيه النفسي

غربة العقل والأفكار ....قد تكون غربة المباديء والقيم كذلك ..ومن أشدّ ملامح هذا النوع من الغربة إيلاما.... أن تروج الأفكار الغريبة والدخيلة على مجتمعاتنا العربية والمخالفة لديننا وعاداتنا وتقاليدنا، على مرأى من الجميع ومسمع، ولكن لا أحد يفعل شيئا، لأنه لا يملك سوى التوسّل بحسبنا الله ونعم الوكيل

غربة الوعي ومحاولتك الإبتعاد عن ثقافة القطيع ...ارضاء العقل أم الإستسلام للتيار الاجتماعي السائد.... تغييب الوعي أو الانخراط مع القطيع أو بناء كيانك الفردي المنعزل

هل تستطيع حينها أن ترنو لكسر الأغلال لتعيش بفكر تنويري يجل الاختلاف ويوقر التعددية فسيواجهك مجتمع يحمل عليك ويحاصرك ويحيطك بسياج أحادية الفكر ليحيلك نسخة مكررة من أفراده؛ تفكر بنفس الرؤى وتتحدث بذات الأسلوب، وتردد العبارات عينها!

غربة الإنسانية....بل التجرد من الإنسانية.. الأوضاع المأساوية التي أصبحت مشاهد يومية في حياتنا ...الشعور بالعجز والتخاذل....غربة الانا ..عبثية الأحداث ...تخبط المواقف السياسية......  التعاطف الدولي الكاذب..  صعوبة استقراء مسار الأحداث القادمة ..
ماذا بعد ...لا شيء ..لو كانت الدُّنيا تعدِلُ عند اللهِ جناحَ بعوضةٍ ما سقَى كافرًا منها شرْبةَ ماءٍ... فهي لا تساوي شروي نقير

والشروى هو المثل. والنقيرهو الشق الذي في نواة الثمرة، والتعبير كناية عن القلة.
فهم يقولون: فلان لا يملك شروى نقير يريدون أنه لا يملك شيئا ولو كان دنيا مثل النقير. كما يقولون: هذا الشيء لا يساوي شروى نقير يريدون أنه لا يساوي شيئا