رئيس التحرير
علاء الجمل

فهد عبدالهادي يكتب

أكفان غزة تُداري سوءات العرب

يأتي الصباح والصدور محملة بالخيبات والخوف مما سيحدث بعد ثوان قليلة، فالاستيقاظ يكون على أصوات الدبابات والأعيرة النارية والانفجارات، واليوم بأكمله يمر بين تشييع جنازات الآلاف من الشهداء والبحث عن هويتهم وأماكن لدفنهم، نقطة المياه وقطعة الخبز البسيطة والكهرباء والنوم ولو لدقائق دون أن يفقد أحدهم فرداً من عائلته، كلها أحلام باتت مستحيلة، هذا هو لسان حال الشعب الفلسطيني.

أكفان غزة تداري عوراتنا

 

ما يحدث في غزة اليوم من مجازر على يد المجرمين من جيش الاحتلال الإسرائيلي ليس وليد اللحظة، فشعب فلسطين منذ أكثر من سبعين عامًا وهو يعيش تحت وطأة الاحتلال، يعانون التشرد من مساكنهم، وسط حياة كلُّها خوف وتعذيب، اعتقال وتهديد، هدم للبيوت، وإغلاق للمدارس وحصار ومنع كل المساعدات الإنسانية من كهرباء ومياه ووقود وطعام، كل هذا تحت مزاعم من الاحتلال برغبتهم في السلام.

الغريب في الأمر، أنّ الشيء الوحيد الذي يتطور طوال سنوات هذه المعاناة هو موقف الدول العربية من هذا الظلم البيّن، فكلما مرّ الوقت، ازداد التخاذل في مواقفهم تجاه القضية الفلسطينية.

مجازر ذبح الأطفال وقتل المدنيين الأبرياء على يد الاحتلال الإسرائيلي واستهداف المواطنين والمستشفيات وغيرها من جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل مع أهل غزة ولا يصدقها عقل بشري، لم تحرك ساكنًا داخل الدول العربية.

فهم يقفون صامتون، لا ينطقون سوى بشعارات التنديد والشجب لما يحدث، ورفع الشعارات والكلمات المرسلة وعقد مؤتمرات واجتماعات تنتهي بعدم الاتفاق، والتي لا تغيّر من الواقع شيئًا سوى أنها تضيع الوقت وتزيد من بطش وسيطرة العدو الغاشم والضحية هم الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء الذين لا ذنب لهم.  

جرائم إسرائيل كشفت عورة الدول الغربية، وبانت سوءتها، فهم شاهدون على اغتصاب وقتل وحرق الأبرياء، ويساعدون حليفتهم في ذلك ويدعمونها تحت تبريرات زائفة "من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها"، هل باتت جرائم الحرب وانتهاك حرمات الموتى والمرضى والنساء والأطفال دفاعاً عن النفس؟، أين الشعارات البرَّاقة التي يرفعها الغرب مثل: حقوق الإنسان والديمقراطية وغيرها؟.

لقد برهنت الأحداث الأخيرة في غزة للجميع على أن أهل فلسطين وحدهم صامدون مقاتلون مدافعون عن شرف وكرامة الأمة العربية، ويدفعون أرواحهم وأرواح فلذات أكبادهم، ثمنًا لرفضهم عار المساومة وترك أراضيهم والابتعاد عن الصمود والمقاومة.

ولا يخفي عنكم أنهم يصارعون عدوَّهم وبطونهم خاوية، ومنافذهم مُحاصَرة، حتى الأكفان التي تستر أجسادهم نفذت، لقد افتقد أطفالهم الحليب، ونفد عن مرضاهم علاج الطبيب، وها هو العالم ينظر ولا مُجِيب.

يا عرب اتحدوا وانقذوا إخوانكم، إنه ليس من عذرٍ لأحد اليوم يرى أطفالاً يُقتَّلون، ونساء يُرملون ويذبحون، ثم لا يحزن لمصابهم، فلسطين هي أُولَى القبلتين، وثالث المسجدين، ولأجلها شدَّ الرجال عزائم الأبطال، وأحيَوْا في نفوسهم النضال، وستظل باقية بنضال شعبها.

وكما قال الشاعر نزار قباني: يا قدسُ يا مدينتي.. يا قدس يا حبيبتي غداً.. سيزهر الليمون وتفرحُ السنابلُ الخضراءُ والزيتون وتضحكُ العيون.. وترجعُ الحمائمُ المهاجرة.. إلى السقوفِ الطاهرة ويرجعُ الأطفالُ يلعبون ويلتقي الآباءُ والبنون على رباك الزاهرة.