رئيس التحرير
علاء الجمل

علاء الجمل يكتب: الإعلام.. أكاذيب النكسة وشفافية العبور

مصر الآن

بخلاف الحضور الطاغي والكاريزما هناك ملامح مشتركة جمعت الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر وأدولف هتلر زعيم ألمانيا النازية، أبرزها إدارة ملف الإعلام ليتحول من وسيلة لعرض الحقائق ومكافحة الفساد وتعزيز الحريات إلى أداة لفرض السيطرة ونشر الأكاذيب وترسيخ دولة الحاكم الفرد وإثارة الرعب بين الجماهير. 

هتلر وعبدالناصر وملف الإعلام


لم يكن عبد الناصر بكفاءة هتلر في التخطيط والحرب وتحقيق الانتصارات، كانت تنقصه الخبرة واستخدم نهجاً في الحكم ارتكز على أصحاب الثقة فقط بينما أزاح عن الواجهة الكفاءات القادرة على دفع مسيرة التنمية في البلاد فتدهورت الأوضاع، وهو ما دفعه إلى أن يبني آلة إعلامية تسيطر على أذهان الناس وتروج لمشاريع ليست مجدية، وتحول المبادرات البسيطة إلى إنجازات ضخمة والانكسارات إلى انتصارات وهو الملف الذي أداره بذكاء الكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل الصحفي الأقرب للرئيس منذ الأيام الأولى لثورة يوليو 195‪2

جوبلز وهيكل

 

«الدعاية الجيدة أن تكذب وتكذب حتى يصدقك الناس».. جملة أطلقها وزير الدعاية النازية جوزيف جوبلز وسار عليها هيكل في تجميل وجه النظام، وكما صور جوبلز للألمانيين هتلر على أنه المنقذ الوحيد لهم ولألمانيا فعل ذلك هيكل مع عبد الناصر حيث كرس جهوده لكي يرى الشعب في ناصر القائد والزعيم الملهم، صاحب الرؤية والحكمة الذي تتضاءل وتخضع أمامه الجماهير، وهي جهود تكللت بالنجاح لدرجة شعر معها الملايين في الشارع أن ناصر ليس شخصاً عادياً فقد تماهى مع الوطن الذي يظللهم بالحماية والرعاية ولا قيمة لهم بدونه.

منظومة التضليل 


وعلى غرار جوبلز رسم هيكل منظومة إعلام النكسة وكانت عناوين الأيام الثلاثة الأولى كاشفة لحجم الأكاذيب: «معارك ضارية على كل الجبهات والطيران المصري يعمل فوق أرض العدو.. إسقاط 115‪ طائرة«. «قواتنا تتوغل داخل إسرائيل»، «الجيش العربي يزحف إلى تل أبيب.. كلنا رجل واحد خلف القائد في المعركة» ، جاء ذلك في الوقت الذي خسرنا فيه سيناء بالكامل وهي سدس مساحة مصر وعمق البلاد يتلقى الضربات من طيران العدو.

إعلام الوعي 


وبعد سنوات حينما بدأت معركة العبور بقرار تاريخي اتخذه الرئيس الراحل محمد أنور السادات في 6 أكتوبر عام 1973 كان الإعلام قد تغير بشكل كبير والتفت إلى مطالب الجماهير العريضة التي وجدت نفسها فجأة قادرة على الإدلاء بالرأي والمشاركة السياسية ومعارضة النظام.. وهي نقطة التحول التي أرست ركائز النصر في المعركة ضد العدو.

معلومات وبيانات 


عندما بدأت المعركة كان الرئيس السادات قد أسس مركزاً للمعلومات يمد الإعلام والصحافة ببيانات يومية عن الحرب وأوضاع الجيوش خلال القتال وحجم الخسائر والمكاسب على الأرض فبات الشعب المصري مشاركاً في الميدان وصدرت العناوين العريضة بأرقام وبيانات حقيقية: «عبرنا القناة ورفعنا علم مصر»، «إسرائيل في ذهول»، «قواتنا عبرت القناة واقتحمت خط بارليف»، «قواتنا تتقدم وتأسر وترد الهجوم المضاد»، وليس مستغرباً أن تخرج عناوين هيكل على صدر الصفحة الأولى للأهرام التي يرأس تحريرها تخلو من بهجة العبور والنصر، خلال الأيام الأولى فقد تصدر عنوان «التوتر يشمل كل جبهات القتال ويشتد في جبهة قناة السويس» الصفحة الأولى للأهرام في ثاني أيام الحرب، ولم يكتف بذلك بل نصح السادات بعدم الإدلاء بخطاب يكشف فيه للشارع تفاصيل النصر والعبور ويشاركهم إنجاز القوات المسلحة وهو ما ذكره هيكل بنفسه في كتابه «أكتوبر 73 السلاح والسياسة»، إلا أن السادات رأي أن من حق المصريين معرفة ما يجري على الجبهة فخرج بخطابه الشهير يوم 16 أكتوبر.. خطاب السادات كان يمثل انتصاراً للشعب الذي تخلص من الخوف والهزيمة وقهر المستحيل. 


أدرك السادات جيداً أن من حق الجماهير أن تعرف ما يدور حولها وأن دور الإعلام هو مواكبة مطالب الناس واحتياجاتهم وكشف الفساد ومطاردة الفاسدين وأن المعارضة والنقد جزء ملامح الدول القوية والأمم المتحضرة.. ومن هنا حقق النصر.