رئيس التحرير
علاء الجمل

الصراعات والحروب الأهلية في جنوب السودان.. الأسباب والتداعيات | دراسة

مصر الآن

يمثل الصراع حالة أو وضعًا تقوم فيه جماعة من البشر بالاشتباك في نوع من التعارض الواعي مع جماعة أخرى أو أكثر من جماعة، وعادة ما يكون الصراع يدور حول الموارد أو السلطة.

الصراع في جنوب السودان

وكمثل العديد من الصراعات المعاصرة، اجتذب الصراع القائم في جنوب السودان الاهتمام الدولي بسبب وحشية العنف ولا سيما العنف ضد المرأة المرتبط بالصراع، فقد ظلت المنطقة التي تشكل جنوب السودان المعاصر متورطة في الصراع لعقود طويلة، فقد اندلعت الحرب الأهلية الأولى خلال الفترة من 1955- 1983، وبعدها اندلعت الحرب الأهلية الثانية خلال الفترة من 1983- 2005، ثم اندلعت حرب أهلية أخرى بعد استقلال جنوب السودان عام 2013، وتلاها اندلاع حرب أهلية أخرى عام 2016. وقد اختلفت الحروب الأهلية التي تلت الاستقلال عن الحروب الأهلية التي حدثت قبل الاستقلال، حيث كان للطابع العرقي والرغبة في السيطرة على الموارد والاختلافات السياسية أثر واضح في حدوث الصراعات التي تلت الاستقلال.

 

وأدرجت الأمم المتحدة جنوب السودان إلى جانب سوريا والعراق واليمن كواحدة من حالات الطوارئ الإنسانية الأربع في العالم، لتصبح جنوب السودان الدولة الوحيدة على مستوى أفريقيا التي تعاني من حالات الطوارئ الإنسانية.

وسلطت دراسة لمركز "فاروس" للاستشارات والدراسات الإنسانية، الضوء على أهم مسببات الصراع في جنوب السودان وتتبع مسارها التاريخي، والإشارة إلى أهم التداعيات والآثار الاجتماعية الناجمة عن تلك الصراعات والحروب الأهلية التي شهدها جنوب السودان.

بداية الصراع في جنوب السودان

تعود البدايات الأولى للصراع في السودان إلى الفترة التي كانت فيها بريطانيا تفرض سيطرتها على السودان، وتتبنى خلالها سياسة فصل الجنوب عن الشمال من خلال فرض “الحكم الثنائي” أو “الإدارة المشتركة”. تلك السياسة التي سعت من خلالها إلى عزل الجنوب عن الشمال ومنع التواصل فيما بينهما والعمل على توسيع الفوارق وزرع بذور التباين والاختلاف بينهم. كما سعت بريطانيا خلال تلك الفترة إلى منع انتشار اللغة العربية وعدم وصول الإسلام إلى الجنوب، وفي هذا الصدد، تبنت السلطة البريطانية العديد من الإجراءات التي من شأنها العمل على ذلك. منها: منع الزواج بين الشمال والجنوب، ومنع الرجل الشمالي الذي يعمل في الجنوب من اصطحاب زوجته بعد انتهاء فترة عمله، هذا بالإضافة إلى منع الاختلاط بين سكان الشمال والجنوب خشية من تأثير العادات والتقاليد العربية والإسلامية على أهل الجنوب، كما اعتمدت اللغة الإنجليزية كلغة رسمية في البلاد وغيرها من الإجراءات.

وعلى الرغم من أن جذور الصراع في السودان قد بدأت في فترة السيطرة البريطانية على السودان؛ إلا أن الصراع قد تعزز في مرحلة ما بعد الاستقلال، فقد شهدت السودان حربين أهليتين الأولى استمرت من عام 1955 إلى 1972، والثانية من عام 1983 إلى عام 2005. وبعد هذا العام دارت مفاوضات السلام بين الأطراف، وتم التوقيع على اتفاق سلام شامل خلال الفترة من 2005- 2011، من شأنه وقف الحروب الأهلية وعودة السلام، ولكن هذا الاتفاق لم يمنع استمرار أعمال العنف المسلح في جنوب السودان، والتي وصلت لأعلى مستويات لها في عام 2009.

وبالحديث عن جنوب السودان تحديدًا، نجد أن الصراع القائم في جنوب السودان يدور حول سبب رئيس، وهو صراع النخبة على السلطة والنفوذ والثروة، بجانب الاختلاف في رؤى قادة المعارضة في أثناء حربهم مع حكومة السدوان من أجل الانفصال، والصراع القائم بينهم على السلطة والنفوذ والثروة والمناصب الحكومية بعد الانفصال، وقد زاد من شدة الصراع ضعف الحكومة وغياب القانون وغياب الطابع المؤسسي في الحزب الحاكم وانعدام الثقة بين أغلب الأطراف السياسية، هذا بالإضافة إلى التدخلات الدولية الأخرى التي ساهمت في اشتداد حدة الصراع لتحقيق مصالحها.

انشقاق جون قرنق وسلفا كير

فقبل توقيع اتفاق السلام الشامل عام 2005، حدث انشقاق بين “جون قرنق” و”سلفا كير” نتيجة رغبة الأخير في سرعة إنهاء المفاوضات وتوقيع اتفاق السلام الشامل وخاصة بعدما حصل الجنوب على حق تقرير المصير بموجب بروتوكول ماشاكوس الذي تم التوقيع عليه في عام 2002، ولكن “جون قرنق” كان يطيل في مدة التفاوض من أجل الحصول على بعض الحقوق المتعلقة بالشمال. واستمر الانشقاق فيما بينهم حتى عام 2005، ذلك العام الذي توفي فيه “جون قرنق” وأصبح “سلفا كير” رئيس الحركة الشعبية ورئيس الإقليم الجنوبي والنائب الأول لرئيس الجمهورية. والجدير بالذكر أن “سلفا كير” كان مهتمًا فقط بالجنوب، ولا يعطي أي اهتمام بالشمال ولا بفكرة الوحدة. وقد قام “سلفا كير” عقب وفاة “جون قرنق” بتوقيع اتفاق جوبا مع “باولينو ماتيب” قائد قوة دفاع جنوب السودان خلال عام 2005، والتي على أثرها تم دمج مقاتلي قوة دفاع جنوب السودان مع الجيش الشعبي لتحرير السودان. وقد اتخذت الحركة الشعبية الكثير من الإجراءات التي مهدت بها فكرة الانفصال عن الشمال وهي وضع رمز دولي للاتصالات مختلف عن رمز السودان، وتغيير المناهج التعليمية في المدارس وجعلها باللغة الإنجليزية، وعقد اتفاقيات التنقيب عن النفط بدون الرجوع لحكومة السودان، وخلال عام 2009، دعا “سلفا كير” أهالي جنوب السودان للتصويت لصالح الانفصال عقب انتهاء الفترة الانتقالية عام 2011.

وبالفعل انفصل جنوب السودان عن دولة السودان عام 2011 بموجب استفتاء تقرير المصير، والذي أكد فيه (98.9%) من مواطني جنوب السودان رغبتهم في الانفصال عن الدولة الأم. وبمجرد الانفصال بدأت الانتقادات توجه إلى حكومة الحركة الشعبية لتحرير السودان بسبب سوء استخدام السلطة وإسناد الوظائف والمناصب على أساس الولاء وليس الخبر، وانتشار الفساد وعدم تقديم الخدمات بشكل مرضٍ، بالإضافة إلى عدم القدرة على تحقيق الأمن بالمناطق الريفية في جنوب البلاد، وما ترتب على ذلك من حدوث انقسام بين أعضاء الحركة الشعبية لتحرير السودان، والتي على إثرها نشب الصراع فيما بينهم في جوبا عام 2013، وانقسم الجيش الشعبي لتحرير السودان إلى قسمين أحدهما موال للرئيس “سلفا كير” والآخر موال لنائب الرئيس “ريك ماشار”. وقد حدث ذلك بعدما أعلن “ريك ماشار” و”باجان أموم” عزمهما على خوص الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في عام 2015 في مواجهة “سلفا كير”، الأمر الذي دفع “سلفا كير” إلى إجراء تعديل وزاري في عام 2013 وأطاح بهما من منصبهما.

وقد ترتب على ذلك اشتعال الصراع بينهما، وقد امتد الصراع بعد ذلك خارج جوبا ليطول ولاية جونقلي والوحدة وأعالي النيل. وقد هدد “ريك ماشار” بالاستيلاء على العاصمة جوبا، ولكن حكومة جنوب السودان استعانت بقوات الدفاع الشعبي الأوغندية، واستمر الصراع حتى عُقد اتفاق وقف الأعمال العدائية في 2014 ولكن أطراف الصراع لم تلتزم به، وقد استمر الصراع حتى عام 2016 والذي تم فيه اتفاق حل النزاع وعلى إثره تولي “ريك ماشار” منصب النائب الأول للرئيس، وبحلول عام 2018 أعلن “ريك ماشار” أنه سيوقع اتفاقية السلام مع حكومة “سلفا كير” والتي بمقتضاها سيتم وقف إطلاق النار واتفاق تقاسم السلطة، فخلال هذا العام تم توقيع تلك الاتفاقية التي كانت تسعى إلى وقف الصراع وإعادة الأمن والأمان بالدولة بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحركة الشعبية المتمردة لتحرير السودان وتحالف المعارضة في جنوب السودان، وكان من المتوقع أن عام 2020 سيكون عامًا محوريًا يسوده الأمن والأمان، ولكن على الرغم من ذلك لم تتوقف أعمال العنف والصراع على المستوى المحلي.

 

وفي هذا الصدد، أوجز “عبد الله” (2015) الأسباب الرئيسية لحدوث الصراع في جنوب السودان في النقاط التالية:

 

الخلافات العميقة بين قبائل الجنوب أبان الوحدة مع الشمال، والتي لعب الشمال دورًا بارزًا في حدوثها من خلال تعميق الكراهية بين الجنوبيين واستخدام سياسة فرق تسد، واستقطاب الشمال عددًا من المقاتلين الجنوبيين للمشاركة في مقاتلة المتمردين.

انتشار الجهل والتخلف والنعرة العرقية في الجنوب، إذ لم يشهد الجنوب أية تنمية تذكر منذ الاستقلال.

نظرة معظم القبائل بالجنوب إلى قبيلة الدينكا باعتبارها القبيلة المهيمنة والمسيطرة والتي تمارس الإقصاء ضد القبائل الأخرى وتستأثر بالسلطة والثروة والموارد دون بقية سكان الجنوب.

التدخل الأوغندي السافر في الشؤون الداخلية لدولة الجنوب لتحقيق أغراضها الاقتصادية والتجارية.

انتشار الفساد والفقر والمحسوبية في الدولة الوليدة، وما ترتب عليه من إصابة الكثيرين بخيبة الأمل بعدما كان حلمهم يتمحور حول الانفصال وما يترتب عليه من التخلص من ظلم الشمال.

 الآثار الناجمة عن الصراع في جنوب السودان

أسفر النزاع المسلح الذي نشب في جنوب السودان في ديسمبر 2013 عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وكان لهذه الانتهاكات تأثير مدمر في السكان المدنيين، فحكومة جنوب السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان والقوات المتحالفة مع كل منهما تعمدوا مهاجمة المدنيين وقتلهم واختطاف النساء واغتصابهن، كما ارتكبوا العديد من أعمال التعذيب وتدمير الممتلكات المدنية ونهبها. وقد أدت هذه الأعمال إلى وقوع عدد غير معروف من القتلى فضلاً عن الإصابات الجسدية، كما أدت إلى تشريد أكثر من مليوني شخص وفقدان سبل العيش وارتفاع مستويات انعدام الأمن الإنساني والغذائي.

 

وبالإشارة إلى الآثار الاقتصادية الناجمة عن الحرب، فقد أدت الحرب إلى توقف المشروعات الاقتصادية والتنموية في جنوب السودان، وتعطيل جزئي لإنتاج البترول وما ترتب عليه من ارتفاع سعر الدولار مقابل عملة الجنوب، وظهور سبح المجاعة في البلاد. هذا بالإضافة إلى حرق الكثير من المنشآت والمؤسسات الاقتصادية والتجارية، وهروب عدد من المستثمرين الأجانب من جنوب السودان وما ترتب على ذلك من تعطل التنمية.

 

وفيما يتعلق بالآثار النفسية، فقد أشار تقرير منظمة العفو الدولية إلى أن النازحين داخليًا في جنوب السودان والذين تأثروا بالصراع وصفوا معاناتهم من مجموعة من الأعراض المرتبطة بالصحة النفسية، مثل اضطراب ما بعد الصدمة، الاكتئاب، الكوابيس، سرعة الغضب، الشعور بعدم القدرة على التركيز، التفكير في الانتحار، فضلاً عن بعض الآلام الأخرى مثل الصداع، وآلام المعدة وآلام الظهر وخفقان القلب ومظاهر الإجهاد النفسي الأخرى. وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية وطنية بعدد المتأثرين بآثار الصراع النفسية، إلا أن مدير إدارة الصحة النفسية بوزارة الصحة أكد أن هناك زيادة في عدد المرضى الذين يعانون من ظروف الصحة النفسية منذ بداية الصراع.

أما فيما يتعلق بالآثار الاجتماعية الناتجة عن الصراع والحروب الأهلية في جنوب السودان، والتي تمثل محور اهتمامنا في متن هذه الدراسة، فهي كثيرة ومتعددة، ويمكننا أن نتطرق إليها بشيء من التفصيل على النحو التالي:

(1) ارتفاع معدلات العنف ضد المرأة

يُعرف العنف القائم على النوع الاجتماعي بأنه أي ضرر يتم ارتكابه ضد إرادة أي شخص على أساس الجنس، ويشمل تأثيره انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان وعوائق أخرى أمام التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

 

فالعنف ضد المرأة انتهاكًا لحقوق المرأة الإنسان بحيث يمنعها من التمتع بحقوقها الإنسانية وحرياتها الأساسية كالحق في الحياة والأمن والأمان والصحة والتعليم والسكن. وبالرغم من أن النساء لا يشاركن في الحروب والصراعات في معظم الآحيان؛ إلا أنهن يتعرضن للعنف، حيث يتعرضن للمتاجرة والدعارة والاستغلال والاغتصاب والتعذيب والخطف، الأمر الذي يؤدي إلى إصابتهن بفيروس نقص المناعة البشري والحمل القسري. فالاغتصاب كأحد مظاهر العنف يستخدم في الكثير من الأحيان كأداة فعالة لتحطيم الروابط الاجتماعية والتأثير في المجتمعات، حيث غالبًا ما تتعرض ضحايا العنف الجنسي إلى وصمة العار ويتعرضن للنبذ من أزواجهن، آبائهن، وأسرهن. ويشير تقرير صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة إلى أن معظم ضحايا النزاعات المسلحة هم من المدنيين، وأن (70%) منهم من النساء والأطفال.

 

ولقد اتسم الصراع الأخير الذي شهدته جنوب السودان بالوحشية وخاصة تجاه المدنيين بما في ذلك النساء والأطفال، فعلى الرغم من أن جنوب السودان كان في حالة صراع نشط لأكثر من نصف قرن؛ إلا أن تجارب العنف وطبيعته اختلفت بشكل ملحوظ في الصراعات الأخيرة ولا سيما منذ أزمة عام 2013، حيث اتسمت بأعمال العنف الوحشية العنف الجنسي والتعذيب أثناء الاعتداء على المدنيين. وقد أكد على ذلك التقارير الواردة من الجهات الفاعلة في مجال حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية والتي أقرت ارتفاع معدلات العنف تجاه النساء بشكل ملحوظ عقب اندلاع الصراع في عام 2013، وقد اتخذ هذا العنف عدة أشكالاً بما فيها الاغتصاب والاستعباد الجنسي، والاختطاف والزواج القسري والإجهاض القسري وتشوية الأجساد. وعادة ما تستهدف النساء على وجه التحديد نتيجة لدورهن الإنجابي.

 

وقد أشارت بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان إلى أن هناك ما يقرب من 1.157 حالة عنف جنسي حدثت في جنوب السودان خلال عام 2018 مقارنة بعام 2017 والذي بلغ فيه عدد الحالات حوالي 196 حالة[18]. وفي تقرير آخر صدر عام 2014، تم الإشارة إلى ارتفاع معدل العنف القائم على النوع الاجتماعي في جنوب السودان بمعدل 37% و 47% في المناطق الريفية والمناطق الحضرية على التوالي نتيجة الحروب الأهلية التي شهدتها البلاد.

بينما أشارت دراسة استقصائية واسعة النطاق تم إجراؤها عام 2017 إلى أن ما يصل إلى 65% من النساء في جنوب السودان تعرضن للعنف الجنسي أو الجسدي.

 

(2) ارتفاع معدلات الإجهاض

 

كان استخدام الاغتصاب كأداة سياسية سلاح حرب كوسيلة للقمع والإرهاب والسيطرة أثرًا واضحًا في انتشار العنف الجنسي المرتبط بالصراع. كما كان انهيار الهياكل المجتمعية والأسرية إحدى نتائج الصراع والنزوح الجماعي لمواقع حماية المدنيين في جنوب السودان، حيث أصبحت هناك العديد من الأسر المقيمة بدون عوائلها من الرجال، كما كان لإقامة تلك الأسر في مواقع الحماية أثرًا في تعرضهن للاغتصاب من قبل المتمردين والمقاتلين وغيرهم، وما ترتب على ذلك من حدوث الحمل غير المرغوب فيه. وبالتالي، لجأت الكثير من الفتيات والنساء اللاتي تعرضن للاغتصاب إلى الإجهاض للتخلص من الحمل غير المرغوب فيه وحتى لا يتعرضن للوصم والنبذ من قبل أزواجهن والمجتمع ككل. وقد زاد من ارتفاع معدلات الإجهاض بعض العوامل الثقافية الأخرى، فمجتمع جنوب السودان ينظر تقليديًا إلى وسائل منع الحمل على أنها من المحرمات ومن الأمور غير المقبولة ثقافيًا، لذلك كان حدوث الحمل غير المرغوب به أمرًا حتميًا، وما ترتب عليه من ارتفاع معدلات الإجهاض.

 

(3) ارتفاع وتيرة الهجرة والنزوح

 

ساهم الصراع والحروب الأهلية التي شهدتها جنوب السودان على ارتفاع معدلات النزوح والهجرة من المنطقة، فقد اضطر نحو 2.25 مليون مواطن إلى مغادرة مواطنهم حتى نهاية يونيو 2015، من بينهم ما يقرب من 730 ألف لاجئ خارج حدود الوطن، واضطروا للإقامة في مناطق متردية تفتقر لمتطلبات الحياة الإنسانية ويصعب وصول المساعدات الإنسانية لهم نتيجة لاحتدام الصراع ونتيجة للتعرض لقوافل الإغاثة والسطو عليها على أيدي العناصر المسلحة، ناهيك عن انتشار الأمراض والأوبئة كالكوليرا والملاريا.

 

وتشير بعض التقارير الأخرى إلى أن ما يقرب من 4.5 مليون شخص نزحوا داخليًا بسبب الصراع، وما يقرب من 2.5 مليون لقي حتفهم[23]. كما تشير تقارير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى أن ما يقدر بحوالي 5 آلاف شخص هاجروا إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، وأن ما يقرب من 14 ألف شخص نزحوا داخليًا جراء الصراع.

 

 

وفي جوبا تحديدًا، فر حوالي 30 ألف مواطن، معظمهم من قبيلة النوير من المدينة ولجأوا إلى قاعدة بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان، وقد قامت بعثة الأمم المتحدة بإنشاء مواقع لحماية المدنيين داخل قواعدها، ولكن تلك القواعد والمخيمات تفتقر لمتطلبات الحياة الإنسانية، ولم يتم تصميمها لتستوعب أعدادًا كبيرة من الأشخاص، لذلك كانت الظروف المعيشية بها سيئة وتفتقر إلى الخدمات الأساسية وعرضه للفيضانات.

 

(4) تراجع معدلات التعليم

 

بعد انتهاء الحرب الأهلية الثانية بتوقيع اتفاقية السلام عام 2005، كان إجمالي عدد المدارس في جنوب السودان حوالي 3 آلاف مدرسة ابتدائية يلتحق بها أكثر من مليون طالب ثلثهم من الفتيات، كما أنشئت الحكومة جامعتين أخيرتين في واو وجوبا بجانب الثلاث جامعات الموجودة من قبل. وقد وصل عدد المدارس الابتدائية عام 2013 إلى 3766 مدرسة يلتحق بها 1.3 مليون طالب، وقد انخفض معدل الالتحاق مقارنة بعام 2010 الذي بلغ 1.4 مليون طالب نتيجة الصراع الذي دار خلال عام 2011، وما ترتب عليه من فرار العديد من السكان خارج البلاد. وبحلول عام 2018 بلغ عدد المدارس المشتركة حوالي 3.848 مدرسة يلتحق بها 1.6 مليون طالب.

 

وقد أشارت العديد من الدراسات التي أجريت حول التعليم في جنوب السودان إلى أن الصراع ساهم بشكل مباشر في تعطل مسيرة التعليم في المجتمع، حيث أدى إلى إغلاق بعض المؤسسات التعليمية كالمدارس الابتدائية والثانوية والجامعات، كما منع الطلاب من مواصلة دراستهم، الأمر الذي يزيد من انتشار الأمية بين البالغين في المستقبل.

 

فعقب أحداث عام 2013، تأثر نظام التعليم في جنوب السودان بشكل واضح بالصراع القائم، حيث تم تأجيل العديد من الامتحانات، وتم حجب رواتب المعلمين، وإغلاق المدارس.

(5) ارتفاع معدلات زواج الأطفال

 

يشير زواج الأطفال إلى أي زواج أو اتحاد رسمي أو غير رسمي بين طفل لم يتجاوز عمر الثامنة عشرة وشخص بالغ أو طفل أخر. ويعتبر زواج الأطفال بمثابة آلية تكيف سلبية تهدف إلى توفير الحماية للفتيات من العنف الجنسي وتوفر لهن الأمن والأمان، وهذه الآلية يلجأ إليها الكثير من الوالدين لضمان تحقيق الأمن وحماية فتياتهم من العنف.

 

وقد أشارت العديد من الدراسات إلى ارتفاع معدلات زواج الأطفال عقب انفصال جنوب السودان، وقد ربطوا ارتفاع تلك المعدلات بحدوث الصراع بين القبائل والجماعات والعشائر وغياب الأمن والأمان جراء الصراع. فالزواج المبكر هو الزواج الذي يتم قبل بلوغ الطفل أو الطفلة عامهم الثامن عشر. وقد أشارت منظمة Plan International في عام 2018 إلى أن الزواج المبكر والزواج القسري وزواج الأطفال من أكثر الأنواع شيوعًا في جنوب السودان. كما أكدت منظمة أوكسفام عام 2019على أن 71% في نيال قد تزوجن قبل بلوغ سن 18 عامًا. وربما يعزو ارتفاع معدلات زواج الأطفال كما سبق وأشرنا إلى الرغبة في توطيد العلاقات وزيادة الإنجاب وتوطيد العلاقات الاجتماعية لتكوين جبهة قوية متماسكة أثناء الصراع مع الجماعات الأخرى.

 

(6) تغير أدوار النوع الاجتماعي

 

على الرغم من أن أدوار ومسؤوليات الرجال والنساء والفتيات والفتية محددة بوضوح في جنوب السودان، إلا أنها قد تغيرت بالفعل نتيجة للصراعات التي شهدتها الدولة كنتيجة للتكيف مع الوضع القائم في الدولة. فقد أدى النزوح إلى مخيمات اللاجئين سواء داخل الدولة أو خارجها بالدول المجاورة إلى تغير الأدوار والمسؤوليات، فقد كشفت بعض التقارير أن 80% من الأسر النازحة ترأسها النساء، وغالبًا ما يتعين عليهن التغلب على البيروقراطية المتعلقة بالمطالبة باللجوء أو التسجيل كنازحين، كما يتعين عليهن العمل لتوفير الاحتياجات الأساسية للأسر التي يعولهن، وهذه الأدوار غير مألوفة بالنسبة للمرأة في جنوب السودان. كما ينعكس ذلك أيضًا على أدوار الفتيات صغيرات السن، واللاتي يتحمل مسؤولية الأعمال المنزلية بينما تبحث أمهاتهن عن فرص للدخل.