رئيس التحرير
علاء الجمل

عبدالفتاح عبدالرازق يكتب:

زكـــاة الفطر.. وفقه أبي حنيفة

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول ﷺ: 

" فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على كل حرٍ أو عبدٍ ذكر أو أنثى من المسلمين. (رواه مسلم)

ومعنى فرض : ألزم وأوجب كما قال الجمهور، وتسمى هذه الزكاة زكاة الفطر، أو صدقة الفطر لكونها تجب بالفطر من رمضان.

وجاء الأمر بزكاة الفطر في عموم قول الله تعالى }وآتوا الزكاة{ ]     النور : ٥٦[

وكذلك قوله تعالى } قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى { ] الأعلى : ١٥،١٤[

حيث قيل إن هذه الآية نزلت في زكاة الفطر وصلاة العيد.

وشرعت هذه الزكاة تطهيرًا لنفس الصائم من اللغو

(وهو مالا ينعقد عليه القلب من القول)، والرفث (وهو الفحش من الكلام).

  • ولذا جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال :

" فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة فهى صدقة من الصدقات "

(رواه أبو داود في كتاب الزكاة - باب زكاة الفطر)

  • الأصناف التي يصح إخراج زكاة الفطر منها:

هناك ستة أصناف متفق على الإخراج منها وهي : القمح، والشعير، والتمر، والزبيب، والأَقِط، والسُلت(هو نوع من الشعير يزرع في السودان)

  • الوقت الفاضل لإخراجها:

من بعد صلاة فجر يوم عيد الفطر إلى ما قبل صلاة العيد، والإمام الشافعي أجاز إخراجها من أول شهر رمضان.

وهي تُعطى للأصناف الثمانية، ويجوز دفعها إلى جنس واحد من أصناف مصارف الزكاة.

  • والإمام أبو حنيفة أجاز إخراج قيمة زكاة الفطر نقدًا وهذا فقه منه - رضي الله عنه - طالما أن المصلحة تتحقق بالنسبة للفقير والمسكين "طعمة للمساكين"

وكذلك الإغناء عن السؤال وذله يوم العيد (أغنوهم عن الطواف هذا اليوم) رواه الحاكم والدارقطني وغيرهما.

وليس معنى هذا أن أبا حنيفة - رضي الله عنه - يمنع إخراجها من غالب قوت البلد أبدًا، وإنما هو فهم لروح تشريع زكاة الفطر.

ومما يؤسف له أنه في كل شهر رمضان عند إخراج زكاة الفطر لا يخلو الأمر عند بعض المتشددين من غمز ولمز لإمامنا أبي حنيفة لأجل أنه أجاز إخراج قيمة زكاة الفطر نقد، وليتهم فهموا معنى "أجاز"

والشيخ الإمام محمد الغزالي رحمه الله له محاورة مع أحدهم في أمر الأصناف التي تؤخذ منها زكاة الزروع نستبين منها أن هؤلاء نعم قد يحفظون نص الأحاديث لكنهم يغيب عنهم فقهها وهذا الذي حاورهُ الشيخ الغزالي في شأن زكاة الزروع يمثل نفس الفئة التي تنعى على أبي حنيفة فقهه في زكاة الفطر.

والآن نأتي إلى ما قاله الشيخ الغزالي وننظر كيف ينتصر لفقه أبي حنيفة في نصوص أحاديثه - صلى الله عليه وسلم -

"بعض هؤلاء يقول - مثلا -" إن زكاة الزروع لا تؤخذ إلا من الحبوب التي تُدخر "

  • قال الشيخ الغزالي:

إن أبا حنيفة يوجبها في الفواكه والموالح والأزهار والشاي والبن وكل ما تنتج الأرض من قطن وقصب وغير ذلك من المحاصيل.

قال (أي الشاب الذي حاور الغزالي):

السنة ما نقول، وأبو حنيفة في ميدان السنة ليس بشيئ.

قال الشيخ الغزالي:

هل السنة أن نترك زارع الشاي مثلًا يكسب من فدانه ألف جنيه لا زكاة فيها (هذا طبعًا وقت أن تكلم الشيخ الغزالي)، ونأخذ من زارع الشعير الذي لا يكسب من فدانه خمسين جنيهًا زكاة؟

قال :نعم هذه هي السنة!!

قال الشيخ الغزالي ساخرًا :بدعة أبي حنيفة خير من سنتكم.

(الغزالي يقصد أن فهم أبي حنيفة خير من حفظكم بلا فهم)

إنكم وبال على الإسلام بهذا الأسلوب.

ربما ترك رسول الله ﷺ أخذ الزكاة من الفواكة لأنها في عهده أو في أرضه لا تمثل ثروة محترمة، أما اليوم والحصائل الزراعية مال خطير فلا يمكن تركها.

وأبو حنيفة أرعى للسنة،وأدرى لملابسات الأحكام.

زيادة تفصيل وفهم لمسألة زكاة الزروع والثمار جاءت هذه الأحاديث.

١ - روى البيهقي عن أبي موسى الاشعري، ومعاذ بن جبل حين بعثهما النبي ﷺ إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم فقال ﷺ "لا تأخذوا الصدقة - زكاة الزروع والثمار - إلا من هذه الأربعة:"الشعير، والحنطة، والزبيب والتمر "

واعتمد الائمة على هذا الحديث وغيره في فتواهم بتحديد الأصناف التي يحق فيها الزكاة، ورأوا ألا زكاة في غيرها من الزروع والثمار.

ورأي أبو حنيفة وغيره .

أن هذه الأصناف كانت تمثل المحاصيل الرئيسية في جزيرة العرب، وأن ما عداها من ثمر لم يكن مالًا له خطر وأهمية.

فإذا كانت الأرض تنبت من الحبوب والفواكه ثروات زراعية لها قيمة كبيرة فإن الزكاة تجب فيها بيقين مثلما تجب في الشعير والحنطة والزبيب والتمر.

واستصحب أبو حنيفة فقه الآية الكريمة من سورة الأنعام ١٤١

} وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ{

ومن ثمَّ أوجب أبو حنيفة الزكاة في التفاح والموز وسائر الفواكه، والفول والعدس وسائر الحبوب، والبرتقال واليوسفي وسائر الموالح، والبن والشاي الخ ما تنتجه الأرض.

وهذا الكلام وجيه من ناحيتين:

١ - الأولى : أنه يحفظ حق الفقراء في كل قطر.

٢-  الثانية : أنه يمثل عالمية الإسلام فهو دين يشمل قارات الدنيا، وليس دينًا يقف عند حدود جزيرة العرب.

ويختم مولانا الشيخ الغزالي قائلًا : إن الذي يتصدى لنقد الأئمة لابد أن يكون ممن يقارب مستواهم على الأقل.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وإلى لقاء .....