رئيس التحرير
علاء الجمل

عبدالفتاح عبدالرازق يكتب:

تحويل القبلة وجبهات العداء للإسلام ( 1-2 )

يمثل حدث تحويل القبلة معلمًا مهمًا فى تاريخ الإسلام، فهو الامتحان الشديد الذى امتحن به المسلمون الأولون فى أعز وأغلى ما ينتسبون إليه وهو الكعبة المشرفة والبيت الحرام، ولكنها إرادة الله وحكمته فالإيمان غالٍ والصدق فيه يحتاج إلى تمحيص: ﴿ آلم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) ﴾ "سورة العنكبوت الآيات 1-3".

إذن الأمة معرضة فى أى وقت لاختبارات من الله ( وما يحدث فى غزة نوعٌ من تلك الاختبارات ) حتى تظهر قوة الإيمان ومعادن أهل الإيمان فالشدائد تكون دائمًا كالفُرن الذى يُدخَل فيه الذهب لكى يَتَنَقَّى.

نعم كان الإختبار شديدًا إلا أن له مغزى مهمًا جدًا وهو أن هذه الأمة لا ينبغى لها أن تتعلق بغير الله حتى وإن كان الكعبةَ البيتَ الحرام.

فالله لا يريد للأمة أن تكون تابعة، وإنما يريد لها أن تكون متبوعة وهذا لن يكون إلا إذا قطعت تعلقها بغير الله.

كان المؤمنون فى شدة شديدة فى المدينة بعد الهجرة حينما افترض الله عليهم أن يتحولوا بالقبلة إلى بيت المقدس ومطلوبٌ منهم أن يتحملوا سخافات اليهود - عليهم لعائن الله -، وأراجيفهم، وأكاذيبهم.

والمسلمون من قريش – خاصةً – يحسون بشئٍ من الانكسار النفسى لأنهم يتوجهون إلى بيت المقدس، ويتركون البيت الحرام إلا أنه أمر الله، وهم تربوا على: ﴿ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾

" سورة البقرة جزء من الآية 285"، وكذلك قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ﴾ " الأحزاب الآية 36".

فلم يظهر متفلسفون من المسلمين يقولون: كيف نترك قبلة إبراهيم وهى أول بيت وضع للناس، ونتوجه فى الصلاة إلى بيت المقدس الذى يتوجه إليه اليهود ؟، لأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – رباهم على الطاعة فى المكره والمنشط حتى وإن غابت الحكمة فى الأمر، لأن الأمر أمر اتباع وطاعة.

لذلك لما ثبت المسلمون وصبروا على هذا الإختبار كانت النتيجة سريعة بعد التحول إلى الكعبة بشهر أو بشهرين حينما كانت غزوة بدر والانتصار فيها، فقد خرج المسلمون من حدث التحويل أصلب عودًا، وأقوى قوة، خرجوا أمة واحدة لها ذاتيتها التى أرادها الله: ﴿  إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ "الأنبياء 92".

كان هذا مع سلفنا الصالح الذين حققوا الإسلام ومبادئه كما أراد الله، ولكن هذه الذاتية غابت عن أمتنا الآن لما تشتت الأمة وظهرت الإقليمية البغيضة فى الوقت الذى اتحدت فيه جبهات العداء للإسلام والمسلمين وما حدث ويحدث فى غزة خير شاهد ودليل، حينما اجتمعت جبهات أعداء الله وساندت اليهود الملعونين بالمال والسلاح وشاركوهم فى قتل إخوتنا المستضعفين.

وهذا ليس بغريب على هؤلاء الذين يصدق فيهم قول إمامنا أبى حنيفة: " أهل الكفر ملة واحدة".

وإلى لقاء...