الإسراء والمعراج.. فرحٌ غامر، وحزنٌ كئيب (1 - 2 )
يأتى حدث الإسراء والمعراج كثانى أكبر الأحداث فى تاريخ الإسلام بعد حدث نزول الوحى على خاتم الأنبياء والمرسلين – صلى الله عليه وسلم – فى غار حراء، وتأتى الهجرة كثالث أكبر أحداث الإسلام بعد هذين الحدثين الكبيرين ( نزول الوحى والإسراء والمعراج ).
والإسراء والمعراج رحلتان لا رحلة واحدة، الأولى منهما أرضية من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى بفلسطين، والثانية سماوية حيث العروج من المسجد الأقصى إلى سدرة المنتهى.
وعن الأولى يقول الله - عز وجل - فى مفتح سورة الإسراء: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ "الآية الأولى من سورة الإسراء"، وعن الثانية يقول رب العالمين فى سورة النجم: ﴿ إِذۡ يَغۡشَى ٱلسِّدۡرَةَ مَا يَغۡشَىٰ (16) مَا زَاغَ ٱلۡبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ (17) لَقَدۡ رَأَىٰ مِنۡ ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ (18) ﴾.
وما يؤسَف له أن عددًا غير قليل من أهل العلم أضاعوا على الأمة وقتًا ليس بالقليل فى تفريع الكلام عن الإسراء والمعراج بمثل هذه الأسئلة:
هل حدث الإسراء والمعراج روحًا وجسدًا؟ أم حدث بالروح فقط؟ هل كان الإسراء والمعراج رؤيا منامية أُريها النبى – صلى الله عليه وسلم -؟
والحقيقة إن هذه الأسئلة تُثار حينما يخف وزن الإيمان فى القلوب كما قال مولانا الدكتور عبدالحليم محمود، وهى مثال لما أُتخِمَت به كتب التراث التى تحدثت عن هذه المعجزة الربانية لخير الخلق – صلى الله عليه وسلم- .
أما كان يكفيهم لفظ ( عبده ) لينفض الإشكال لأن العبد لا يكون إلا روحًا وجسدًا، ونرجع إلى آية الإسراء والتى تبدأ بكلمة ( سبحان ) رمزًا للقدرة القادرة التى حققت تلك المعجزة فى لا زمن لخير الخلق – صلى الله عليه وسلم – ( بعبده ).
والعبودية لله أحب الصفات لنفسه – صلى الله عليه وسلم – بهذا أنبئنا القرآن الكريم: ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ﴾ "سورة الجن الآية 19"، وفى الحديث عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى قام حتى تفطر رجلاه .. قالت عائشة : يا رسول الله أتصنع هذا وقد غُفِرَ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟! ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : يا عائشة أفلا أكون عبدا شكورا ) ( رواه الإمام مسلم ).
هذا العبد – صلى الله عليه وسلم – تحمل ما لا تتحمله الجبال الرواسى فى سبيل هذا الدين إلى الخلق جميعًا، ويصور لنا ذلك خواتيم سورة النحل السابقة لسورة الإسراء حيث يقول الله – عز وجل -: ﴿ وَٱصۡبِرۡ وَمَا صَبۡرُكَ إِلَّا بِٱللَّهِۚ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَلَا تَكُ فِي ضَيۡقٖ مِّمَّا يَمۡكُرُونَ (127) ﴾ ثم تبدأ الإسراء بـــ: ﴿ سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ (1) ﴾، إشارة إلى ما لاقاه – صلى الله عليه وسلم – من صناديد الكفر فى مكة، ولكنه فى دعائه الضارع بعد رحلة الطائف يقول: ( إن لم يكن بك غضبٌ على فلا أبالى ) علامة على العزم المصمم على إيصال كلمة الله.
ثم تأتى أضواء الإسراء فى بداية سورة الإسراء محددة المكان والزمان والهدف: ﴿ سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ ﴾، وتجىء سورة النجم لتتحدث عن المعراج وعن سدرة المنتهى، ثم تحدثنا عن منزلة هذا النبى الكريم – صلى الله عليه وسلم – عند ربه وعما اصطفاه الله به ( لقد رأى من آيات ربه الكبرى ) "سورة النجم الآية 18".
الإسراء والمعراج ذكراهما تأتى كل عام ومشاعرنا متذبذبة بين الفرح الغامر والحزن الكئيب كما يقول مولانا الشيخ محمد الغزالى.
و إلى لقاء قادم إن شاء الله