رئيس التحرير
علاء الجمل

إحدى الحسنيين.. "الشهادة" فى ظلال القرآن والسنة

من نِعَم الله التى امتنَّ بها على المجاهدين فى سبيله دفاعًا عن المقدسات نِعمَةُ الشهادَةِ فى سبيله، وهى إحدى الحسنيين التى وعد الله بها المُجاهدين، والحسنى الأخرى هى النصر، قال الله – عز وجل – ﴿ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْن ﴾ "سورة التوبة جزء من الآية 52"، والشهادَةُ فى سبيل الله منزِلَةٌ عُظمى يَمتَن اللهُ بَهَا على مَن يَستَحِقُّهَا ويختارُهُ لَهَا، قال الله – عز وجل - ﴿ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ "سورة آل عمران خاتمة الآية 140"، وهذه الآية من سورة آل عمران رُبَمَا كانت من الآيات النادرة التى عَبَّرَ فيها القرآن عن الذينَ يُقْتَلُوُنَ فى سَبِيلِهِ بالشُهداء، أما فى غالِب آيات القرآن الكريم فَنَجِدُ لَفْظَ القَتْل فى سبيلِ الله هو الأَعَمُّ الأَكثَر من مثل قولِهِ تعالى:

  1. ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ (154)﴾ "سورة البقرة".
  2. ﴿وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (157) ﴾ "آل عمران".
  3. ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) ﴾ "آل عمران".
  4. ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ﴾

"سورة التوبة الآية جزء من الآية 111".

  1. ﴿ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) ﴾ "سورة محمد ﷺ جزء من الآية 4 والآيتان 5 و6".

وقد ذَكَرَ العلماءُ تفسيراتٍ لإطلاقِ لفظِ الشهيد على المَقتولِ فى سبيلِ الله منها أنَّ الشهيدَ حى فكأنَّ روحَهُ شاهِدَة أى حاضرة، وقيل لأنَّ اللهَ وملائكَتَهُ يَشهَدونَ لَهُ بالجنَّة، وقيلَ لأنَّهُ يَشهَدُ ( يرى ) عِندَ خروجَ روحِهِ ما أُعِدَّ لَهُ من الكرامة، وكذلك قِيلَ لأنه يشاهدُ الملائكَةَ عندَ احتضاره.

وَلِعِظَمِ قَدرِ الشهادَةِ فى سبيلِ الله تمنَّاها سَيِّدُ الأولين والآخرين – صلى اللهُ عليه وسلم – فجاءَ عنهُ فى الحديث الصحيح الذى رواهُ الإمامُ مُسلم: ( والذى نفسى بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أن أَغزُوَ فى سبيلِ الله فَأُقْتَل، ثُمَّ أغزو فأُقتَل ثُمَّ أغزو فأُقتَل ).

ومن كرامَةِ الشهداءِ أنهم أحياءٌ عند ربهم يُرزَقُون كما جاءَ فى سورة آل عِمران فى قولِهِ تعالىَ: 

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) ﴾.

وعِندَ الإمامِ مُسلم عن مَسروق قال: سألنا عبداللهِ بن مسعود عن ذلك فقالَ: أما إنَّا سألنا عن ذلك ( أى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ) فقالَ: أرواحُهُم فى جَوفِ طَيرٍ خُضر لها قناديلُ مُعَلَّقَةٌ بالعرش تَسرَحُ مِنَ الجنَّةِ حيثُ شاءَت، ثُمَّ تأوى إلى تلك القناديل.

قالَ القُرطُبىّ عند تفسيره لهاتين الآيتين من سورة آلِ عِمران: ولا يُتَعَجَّلُ الأكلُ والنعيمُ لِأَحَدٍ إلا للشهيدِ فى سبيلِ الله بإجماع الأُمَّة حكاهُ ابن العربى، أمَّا غيرُ الشهيد فإنما يُعرَضُ عليهِ مَقعَدَهُ فى الجنة إن كانَ مِن أهلِهَا حتى يُبعَث ففى الصحيحين – واللفظ للبخارى – عن عبدالله بن عمر رضى اللهُ عنهما: إنَّ أَحَدَكُم إذا ماتَ عُرِضَ عليهِ مَقَعَدُهُ إن كان من أهلِ الجنة فمن أهلِ الجنة، وإن كان من أهلِ النار فمِن أهلِ النار، فيُقَالُ: هذا مَقعَدُكَ حتى يَبعَثَكَ الله يوم القيامة.

وينضافُ إلى تلك المنزلة منزلةٌ أُخرى وهى مرافَقَةُ النبيينَ والصِّدِّقينَ والصالحين فى الفردوس الأعلى من الجنة، قال الله – عز وجل - ﴿ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا (69) ﴾ " من سورة النساء"، وفى سورة الحديد:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ۖ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ﴾ " جزء من الآية 19".

ومما جاءَ فى كرامة الشهداء فى السُنَّة المُطَهَّرَة ما رواه البخارى عن أنس رضى اللهُ عنهُ قالَ: 

سألَتْ أُمُّ حارِثَةَ النبى – صلى الله عليه وسلم – عن ابنها حارثة ( وكان قُتِلَ يَومَ بدر ) يا رسولَ الله، إن كانَ ابنى فى الجنَّةِ صَبَرتُ، وإن كانَ غيرَ ذلك اجتهدتُ فى البُكاءِ عليه فقالَ – صلى الله عليه وسلم -: يا أُمَّ حارِثَة إنها جِنَانٌ فى الجنة، وإنَّ ابنَكِ أصابَ الفِردَوسَ الأعلى.

وكذلك ما جاءَ فى البخارى ومسلم: أن عبدالله بن عمر بن حرام ( وهو والدُ جابر بن عبدالله ) استُشهِدَ يومَ بدر فَبَكَتْهُ أُختُه، فقالَ – صلى اللهُ عليهِ وسلم -: تَبكِيهِ أو لا تَبكيهِ ما زالت الملائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حتى رفعتموهُ، صدق رسول الله - صلى اللهُ عليه وسلم - .

فاللهم أَظِلَّ شهداء غزَّةَ وفِلَسطين  بِأَجنِحِةِ ملائِكَتِك آمين آمين.

هذه المقالة مُهداه إلى رُوحِ الشهيد الشيخ صالح العارورى والشهيد الساجد حافظ القرآن تيسير أبو طعيمة.