رئيس التحرير
علاء الجمل

عبدالفتاح عبدالرازق يكتب:

من حديث القرآن عن بني إسرائيل ( 2 )

انتهينا فى مقالنا السابق إلى السؤال الآتى: هل شايع بعض العرب - فى ظاهرة النفاق - يهود المدينة؟ 

وللإجابة عن هذا السؤال نرجع إلى قوله تعالى فى سورة التوبة: ( وممن حَولَكُم من الأعرابِ منافقون ومن أهلِ المدينةِ مَرَدُوا على النفاقِ لا تَعلَمُهُم نحن نعلَمُهُم سَنُعَذِّبُهُم مرتين ثُمَّ يُرَدُّونَ إلى عذابٍ عظيم).

تقول كتب التفسير: مَرَدُوا على النفاقِ ( أى أقاموا عليه ولم يتوبوا )، وهذه الآية تُنبِئُنَا بأن بعضَ الأفراد فى قبائل عربية حول المدينة شايعوا اليهود فى نفاقهم، وهذه القبائل هى (مُزَينة، جُهَينة، أسلَم، غِفار، أشجَع)، وكذلك من داخل المدينة كان هناك منافقون من الأَوسِ والخَزرَج وهما قبيلتان من العرب القحطانية، يروى ابن هشام فى سيرته: ( أن كل من نافق من الأوس والخزرج إنما كان نفاقه انحيازًا إلى اليهود ومُظاهَرَةً لهم وإلتفافًا حولهم.

وهذا النفاق الذى اخترعه اليهود ونشروه فى المدينة وما حولها كان من أخبث الوسائل التى حُورِبَ بها الإسلام وأخطرها، حيث كانوا يندسُّون بين المسلمين على أنهم مؤمنون كغيرهم فى المجتمع الإسلامى، وكانوا تحت هذا الستار الخطير يَنخرون فى صرح الإسلام ويبُثُّون  سمومًا خطيرة فى كل اتجاه وفى كل مجال يُمكن أن يُحارَبَ فيه الإسلام ومن أبرز هذه الدعايات المسمومة:

  1. ما نشروه من أباطيل حول حدث تحويل القبلة.
  2. دعاياتُهُم الكاذبة فى إشاعة " الإفك " والتى زلزلت كيان المسلمين لولا أن تداركهم الله برحمته وتنزلت آيات القرآن كاشفةً تلك المؤامرة الخبيثة ومن قاموا بها ومطهرةً ومُبرِّأةً ساحة الصدِّيقة بنت الصدِّيق رضى الله عنه.
  3.  وكذلك الدعايات التى كانوا يبثونها فى أوقات الحروب ليوهنوا عزائم المسلمين، ويحطموا معنوياتهم، كما حدث بعد بدر مباشرة من يهود بنى قينقاع، وكذلك فى غزوة الأحزاب.

وتبقى قبيلة قريش فى مكة أم القرى نظيفة من النفاق وإن ظلًّت كافرة حتى الفتح، ولذلك رأينا عام الفتح غالب أهلها – وكانوا صرحاء فى كفرهم – قد تغير حالُهُم وهبُّوا سِراعًا إلى حِضنِ الإسلامِ والإيمان.

أما اليهود المنافقون ومن لفَّ لفَّهُم من العرب فظلُّوا كافرين إلى النهاية، ولذلك توعَّدَهُم الله فى مختتمِ آية صدرِ المقال بقوله: ( سَنُعَذِّبُهُم مرَّتَينِ ثمَّ يُرَدُّونَ إلى عذابٍ عظيم )

والمرتان فى الدنيا بفضيحتهم حين كَشَفَهُمُ اللهُ لرسولِهِ - صلى الله عليه وسلم – والأُخرى فى القبر، ثم يكون العذاب فى الدرك الأسفل من النار فى الآخرة كما عند الإمام القرطبى فى تفسيره لهذه الآية.