رئيس التحرير
علاء الجمل

خريطة جديدة للشرق العربي الإسلامي

كثيراً ماكنت أردد أن هناك ثقافة مريضة تصنع الأزمات ، وثقافة صحيحة تمنع الأزمات ، لكن الأزمات تتحول إلى كوارث كبرى حين يحكم أصحاب الثقافة المريضة دولة استعمارية كبرى ويتحكمون في مصيرهذا العالم ، ويعملون على تذويب ثقافاته الوطنية ومسخ هوياته الدينية ومحو شخصياته القومية ، سعيا إلى عولمته أو إلى أمركته ، بلا فرق كبيربين كونها ثقافة عدوانية بالفيل الأمريكاني أوشاذة بالحمارالأمريكاني !!.. وذلك لمحاولة فرض ثقافتهم المريضة تحت عنوان انتقائي زائف هو" الحرية أوالديمقراطية ، وحقوق الإنسان أوالحيوان" لافرق ، لإشاعة الفوضى السياسية واللاأخلاقية لتسويق نموذجهم الرأسمالي القائم على استغلال الإنسان الأبيض لأخيه الإنسان الأسود والأصفرفي قارات الدنيا بحماقة قوتهم الغاشمة وشعاراتهم المغشوشة لتحقيق استراتيجية القرن الأمريكي ،، بما جعل هذه الثقافة المعادية للإنسان والأوطان والأديان منبعا للشرور، وسياستهم الخبيثة مهما تلونت مجرد مهارة شريرة لإنفاذ إرادتهم العدوانية وسياستهم العنصرية ضد الدول الوطنية للسيطرة على ثرواتها وأسواقها ، فتشعل الحروب الاقتصادية والعسكرية بالوكالة بما يهدد بإحراق العالم ! وهنا نكتشف أن حفنة من المجانين الأغبياء الأشراريحكمون العالم ..وحين نحسبها أزمة سياسة نكتشف في النهاية أنها أزمة ثقافة ! وحينما توالت الأزما ت على عالمنا كله بفعل شيوع هذه الثقافة المريضة ، سواء الصحية بالكورونا والبيئية باضطرابات المناخ والسياسية بشلل مجلس الأمن ، والاقتصادية بالحرب الاقتصادية المجنونة بسلاح العقوبات الغبية ضد روسيا والصين التي ارتدت على أوروبا ، على إقليمنا وأوطاننا وإنساننا في مصربآثارها الاقتصادية السلبية ، خصوصا بعدما انفجرت بالحرب العسكرية الأطلسية في أوكرانيا وتكاد في تايوان !! ..وعندما توزعت برياح "الربيع " الغربي بجماعات "إرهابية" ومنظمات "مدنية " في أكثر من حرب أهلية طبقا لمخطط الفوضي والتقسيم الصهيوأمريكي الشريربزعم نشرالديمقراطية فيما أسموه ب"الشرق الأوسط الجديد الإسرائيلي أو الكبيرالأمريكاني" لافرق ، بداية بالصومال والسودان والعراق ومرورا بالجزائروسوريا ولبنان ونهاية بتونس ومصر وليبيا واليمن على امتداد "الشرق العربي الإسلامي ".. أبت إرادة الله بإرادة الخيرين من حكماء وعقلاء العرب والمسلمين السماح بمرورإرادة الشر في غياب إرادة الخير، فتنادوا للقاء على كلمة سواء لاستعادة الذات وطي صحائف الخلافات امتثالا لرسائل السماء وتحقيق المصالحات والاعتصام بحبل الله بالوحدة بدلا من الفرقة لبناء القوة وإعلاء الإرادة والانتصارعلى الذات والمؤامرات انطلاقا من قاعدة ذهبية تقول :" لمواجهة التحدي نحقق الوحدة وبالوحدة نحقق القوة وبالقوة نحقق النصر".. فأبى شهررمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان أن تمرأيامه المباركة ويمربغيرهدى للضالين من العرب والمسلمين فإذا الشقيق عدوا، أوبغير بينات للمضللين فإذا العدو صديقا ، بصناعة " العدو البديل " ولمجافاة الشقيق ومعاداة الصديق ، بتأثيرالمعادلات المختلة في العقول المحتلة !! مثلما أبى شهرالصبروالنصرأن تمضي أعظم لياليه العشرالتي أقسم الله بها في سورة الفجروفيها ليلة القدرويمضي دون خيرتوقعناه أوبركة انتظرناها، لعل أهمها مانشهده من عودة الوعي العربي بإشارات بالوحدة ، ومن عودة الروح الإسلامية ببشارات الأمل في النصرمن بعد سنوات عشرمريرة من الصبر. فإذا بمواكب الخيرات بالمصالحات تهل وإذا ببشائرالبركات تطل على الشرق وأهله من جديد، وإذا المحنة منحة وإذا النصرإرادة ، فمن محنة الزلزال الكبير تحركت في الانسان العربي معنى الإنسانية وروح الأخوة الإسلامية للسعي إلى سورية وتركيا دعما وإنقاذا للشعبين ، لتمضي المواكب بالقادمين من دول العالم المتمدين التي لم تسيس المعونات الإنسانية مثلما فعل أصحاب حقوق الإنسان الغربية وادعياء القيم الأمريكية !! وليسقط الجدارالوهمي الذي صنعه الأعداء بين السني والشيعي بعودة الوعي للانتماء العربي ، ويسقط الحاجز النفسي بين العربي والفارسي بعودة الروح للانتماء الاسلامي، فتتحول المحن بفضل الله إلى منح ، والأزمات إلى فرص والكارثة إلى طريق مضيء جديد ذات اتجاهين للمرورمن الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب للتقارب بين الأشقاء والأصدقاء بعيدا عن مؤامرا الأعداء وألاعيب العملاء وحماقة الجهلاء !!! وحينما فتحت مكالمات العزاء والإخاء بين الرئيس السيسي والرئيس الأسد والرئيس التركي وبين رئيس الإمارات وإعادة تونس فتح السفارات وبادرت الأردن والجزائرلفتح الطريق لبداية الخيرات، ولتبادل الزيارات من القاهرة لدمشق ، ومن بقية العواصم العربية بعد سنوات القطيعة لدمشق وبالعكس وزارالأسد الإمارات وعمان ، هلت البركات بالنبأ السعيد بالمصالحة السعودية الإيرانية بوساطة عراقية وعمانية حميدة ، لكن المفاجأة الكبرى السارة للأصدقاء والصادمة للأعداء ضاعفت لتتويج المصالحة السنية الشيعية والعربية الفارسية برعاية صينية في بكين ! ولا أظن أن أحدا من المراقبين أوالمتابعين في العواصم الدولية العدو منها والصديق بمقدوره أن يتجاهل ما يجري على خريطة الشرق العربي الإسلامي حاليا من تسارع للأحداث والتحولات والتحركات من المسئولين العرب والمسلمين نحو أكثرمن لقاء أبرزه هذه القمة الخليجية العربية في الرياض بمشاركة مصر والعراق والأردن الجمعة الأخيرة لشهر رمضان العظيم الذي يتم بفضل الله كأشقاء بعد طول قطيعة ، وللحواربعد طول شجار، بهدف السلام بعد طول صدام، ولا بمقدوره أن يتغافل عما ماوراء تلك التحولات من أسباب خيرة ومابعد التحركات من نتائج مباركة ، كما لم يعد ممكنا لأحد تجاهل توابع هذا الزلزال البناء وأهمها المصالحة السورية السعودية بما يتوقع معه دعوة الأسد لحضور القمة العربية الشهرالمقبل بالسعودية ، والتواصل التركي السوري بجهود روسية ، بما يزيل العوائق والألغام على طريق عودة العلاقات المصرية التركية والمصرية الإيرانية ، وما يمكن أن يتبع ذلك من انفراجات في الأزمات في اليمن وسوريا والعراق ولبنان ، وقريبا في فلسطين وليبيا وتونس السودان .. في إشارة واضحة إلى حدوث واقع إقليمي جديد ، ومتغيرات إيجابية كبرى على أرض هذا الإقليم الحيوي من العالم ، نتجت عن تغييرللمعادلات المختلة القديمة إلى معادلات صحيحة جديدة ببوصلة جديدة في الاتجاه الصحيح من الغرب إلى الشرق، ترسم خريطة علاقات إقليمية جديدة في بشارة واضحة لبزوغ فجرجديد وخارطة طريق جديدة لهذا الشرق الإسلامي العربي الجديد .